Below is the short presentation I wrote for the recent symposium in honor of Cheikh Sālim b. Yaʿqūb in Djerba.
النص الآتي هو الذي كتبته لملتقى الشيخ سالم الثقافي في جربة
""
تمثّل المكتبات الإباضية الخاصة مصدرا هاما للغاية من ناحية الحفاظ على التراث الإباضي خاصةً والتراث الإسلامي عامةً وهذا ليس لأنّ المذهب الإباضي هو من ضمن أقدم المذاهب الإسلامية بما أنّه تبلور في أول قرنين هجريَيْن فحسب بل وإنما أيضا لأنّ المسلمين الإباضيين أخترعوا طرقا لكتابة التاريخ وتدوين الأحاديث النبوية وغيرها من الفنون الإسلامية استقلالاً إلى حدّ ما عن المذاهب الأخرى. حتّى النصوص الإباضية نفسها تستحفظ على روايات للأحداث التاريخية والآراء الكلامية والفقهية القديمة جدا. ولذلك، من المدهش أنّ أكثرية النصوص الإباضية ما زالت مخطوطات في خزائن خاصة، مخفية عن عيون الباحثين أو غيرهم من المهتمين بالتاريخ الإباضي والتراث الإسلامي. طبعا، توجد أسباب تاريخية جيّدة لبقاء المخطوطات مخفية من ضمنها خوف أصحابها عليها من الخرب أو السرقة وهذا خاصة بسبب تشويش آراء الإباضية عبر القرون في بعض الكتب السنية.
ولكنّ في آخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادَيْن، بدأت حركة مهمّة في مصر والمغرب العربي (معروفة بـ”النهضة الإباضية”) لتقديم الإباضية كمذهب من المذاهب الإسلامية اعتمادا على التكنولوجيا الجديدة: الطباعة. لعبت ديار النشر والطباعة في مصر وتونس والجزائر وزنجيبار دورا هاما في توزيع المعلومات حول تاريخ الإباضية من خلال نشر النصوص الإباضية المهمة مثل كتب السير والنصوص الفقهية الإباضية.
أما اليوم، فالظروف الحالية التي نعيش فيها توفّر لجماعات الإباضية في تونس والجزائر وليبيا الفرصة أن يحيوا من جديد هذه الحركة العلمية من أجل الحفاظ على تراثهم والتعارف والتفاهم مع إخوتهم المسلمين من المذاهب الأخرى.
لذلك نلاحظ اهتماما مجدّدا بالمخطوطات الإباضية التي توجد في المكتبات الإباضية الخاصة في وادي المزاب في الجزائر وفي جزيرة جربة في تونس. مع أنّ عدد المكتبات الخاصة في جربة لا يقارب عددها في الجزائر، ما زالت توجد مكتبات خاصة مهمّة للغاية في الجزيرة وتلك الأرصدة تعكس تاريخ جربة الغني بالعلم وثقافة المخطوطات من العصر الوسيط حتى القرن العشرين. لا شكّ أنّ المكتبة البارونية، على سبيل المثال، تعتبر من أهم المكتبات الإباضية في شمال إفريقيا. بالإضافة إلى هذه المكتبة المعروفة، توجد مكتبة أخرى في جربة تمثّل فترة مختلفة من تاريخ الإباضية وتاريخ الجزيرة ألا وهي مكتبة الشيخ المرحوم سالم بن يعقوب. هذه المكتبة تختلف عن الكثير من المكتبات الإباضية الأخرى في جربة وغيرها لأنّها تبلورت في سياق تاريخي خاص وظروف تكوين رصيدها تعطيها قيمة فريدة.
بعد الدراسة في تونس، سافر الشيخ سالم إلى مصر حيث عاش لعدّة سنوات في الوكالة الإباضية المعروفة بـ”وكالة الجاموس” أو “وكالة البحّار” القريبة من جامع ابن طولون في القاهرة. منذ تأسيسها في آخر القرن السادس عشر الميلادي، لعبت هذه الوكالة دورا مهمّا في استنساخ المخطوطات. توجد مخطوطات منسوخة في الوكالة في كثير من المكتبات في ليبيا وتونس والجزائر ومصر وعُمان. ولكن، أغلبيتها توجد في مكتبات عائلية موروثة عبر عدّة قرون بينما مكتبة الشيخ سالم هي ناجمة عن جهوده الدؤوبة وحدها. خلال سنواته في مصر، الشيخ سالم جمع الكثير من المخطوطات الإباضية القديمة وقام بنسخ مخطوطات أخرى بيده. بالإضافة إلى ذلك، سجّل الكثير من المعلومات الغنية حول وكالة الجاموس ومكتبتها الموقوفة التي ستكون ضائعة اليوم لولاه. ليس من باب المبالغة أن نقول إنّ تلك الوثائق وملاحظاته حول وكالة الجاموس المسجّلة في الدافتر تمثّل أهمّ مصدر لتاريخ وكالة الجاموس والجالية الإباضية في مصر لمدة أربع قرون.
بالنسبة للمخطوطات نفسها فهي أيضا تمثّل رصيدا هاما لتاريخ الإباضية تعكس حياة الشيخ سالم واهتماماته وحبّه لتاريخ فضلا عن احترامه للمخطوطات والعلم. نتيجةً لمشروع الحفاظ على هذه المخطوطات والاستطلاع عليها الذي قامت بها جمعية الشيخ سالم الثقافية خلال الخريف من العام الماضي (٢٠١٥)، يمكننا أن نقدّم بعض البيانات حول هذا الرصيد:
عدد المجلّدات المسفّرة ذي أغلفة: 14
عدد العناوين غير المسفرة الكاملة (أو تقريبا كاملة): 33
عدد الأوراق المفترقة ذي عناوين: 296
عدد الأوراق المفترقة بدون عنوان: 381
بعد تنظيم الأوراق المفترقة وفهرسة المكتبة بكاملها، ستكون صورة الرصيد ومضمون المكتبة أوضح. ولكنّ هذا العدد الكبير من المخطوطات يعكس جهود الشيخ سالم في الحفاظ على التراث الإباضي المخطوط. بالإضافة إلى عددها، هذه المخطوطات تحمل إمكانية كبيرة لتحقيق النصوص بما أنّ الشيخ سالم جمع الكثير من النسخ من نفس العناوين. مكتبة الشيخ سالم بن يعقوب مجرّد مثال واحد من هذا الدور الهامّ الذي تلعبه المكتبات الخاصة بالحفاظ على التراث والتاريخ المادي والمعنوي في جربة. المشروع الذي قامت به جمعية الشيخ سالم الثقافية هو الخطوة الأولى في تأكيد إمكانية الحفاظ على هذه المخطوطات لفائدة الطلاب والباحثين الإباضيين وغير الإباضيين في الأجيال القادمة فضلا عن الحفاظ على تاريخ جزيرة جربة الثقافي.
ولكنّ النقطة الأخيرة هذه تذكّرنا بالخطر الجدي والحقيقي الذي تواجهه المكتبات الخاصة في الجزيرة اليوم. إذا استمرّ الناس في اخفاء المخطوطات في بيوتهم بدون أي مساعدة في تنظيمها أو فهرستها أو الحفاظ عليها من الرطوبة والحشرات، فهم يجازفون بفقدانها إلى الأبد. لذلك، نريد أن نختم هذه المداخلة بطلب المساعدة منكم في الحفاظ على المخطوطات في جربة. إذا عرفتم أصحاب مخطوطات أو كتب قديمة في الجزيرة، فشجّعوهم على الاتصال بجمعية صيانة الجزيرة أو المكتبة الوطنية أو باحث في التاريخ مختصّ بالمخطوطات لكي يحصلون على مساعدة في الحفاظ عليها. لولا مساعدة المختصّين، كلنا سنفقد هذه الوثائق الثمينة وهذه الشهود الفريدة على تاريخ الجزيرة وأهلها
ولكنّ في آخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادَيْن، بدأت حركة مهمّة في مصر والمغرب العربي (معروفة بـ”النهضة الإباضية”) لتقديم الإباضية كمذهب من المذاهب الإسلامية اعتمادا على التكنولوجيا الجديدة: الطباعة. لعبت ديار النشر والطباعة في مصر وتونس والجزائر وزنجيبار دورا هاما في توزيع المعلومات حول تاريخ الإباضية من خلال نشر النصوص الإباضية المهمة مثل كتب السير والنصوص الفقهية الإباضية.
أما اليوم، فالظروف الحالية التي نعيش فيها توفّر لجماعات الإباضية في تونس والجزائر وليبيا الفرصة أن يحيوا من جديد هذه الحركة العلمية من أجل الحفاظ على تراثهم والتعارف والتفاهم مع إخوتهم المسلمين من المذاهب الأخرى.
لذلك نلاحظ اهتماما مجدّدا بالمخطوطات الإباضية التي توجد في المكتبات الإباضية الخاصة في وادي المزاب في الجزائر وفي جزيرة جربة في تونس. مع أنّ عدد المكتبات الخاصة في جربة لا يقارب عددها في الجزائر، ما زالت توجد مكتبات خاصة مهمّة للغاية في الجزيرة وتلك الأرصدة تعكس تاريخ جربة الغني بالعلم وثقافة المخطوطات من العصر الوسيط حتى القرن العشرين. لا شكّ أنّ المكتبة البارونية، على سبيل المثال، تعتبر من أهم المكتبات الإباضية في شمال إفريقيا. بالإضافة إلى هذه المكتبة المعروفة، توجد مكتبة أخرى في جربة تمثّل فترة مختلفة من تاريخ الإباضية وتاريخ الجزيرة ألا وهي مكتبة الشيخ المرحوم سالم بن يعقوب. هذه المكتبة تختلف عن الكثير من المكتبات الإباضية الأخرى في جربة وغيرها لأنّها تبلورت في سياق تاريخي خاص وظروف تكوين رصيدها تعطيها قيمة فريدة.
بعد الدراسة في تونس، سافر الشيخ سالم إلى مصر حيث عاش لعدّة سنوات في الوكالة الإباضية المعروفة بـ”وكالة الجاموس” أو “وكالة البحّار” القريبة من جامع ابن طولون في القاهرة. منذ تأسيسها في آخر القرن السادس عشر الميلادي، لعبت هذه الوكالة دورا مهمّا في استنساخ المخطوطات. توجد مخطوطات منسوخة في الوكالة في كثير من المكتبات في ليبيا وتونس والجزائر ومصر وعُمان. ولكن، أغلبيتها توجد في مكتبات عائلية موروثة عبر عدّة قرون بينما مكتبة الشيخ سالم هي ناجمة عن جهوده الدؤوبة وحدها. خلال سنواته في مصر، الشيخ سالم جمع الكثير من المخطوطات الإباضية القديمة وقام بنسخ مخطوطات أخرى بيده. بالإضافة إلى ذلك، سجّل الكثير من المعلومات الغنية حول وكالة الجاموس ومكتبتها الموقوفة التي ستكون ضائعة اليوم لولاه. ليس من باب المبالغة أن نقول إنّ تلك الوثائق وملاحظاته حول وكالة الجاموس المسجّلة في الدافتر تمثّل أهمّ مصدر لتاريخ وكالة الجاموس والجالية الإباضية في مصر لمدة أربع قرون.
بالنسبة للمخطوطات نفسها فهي أيضا تمثّل رصيدا هاما لتاريخ الإباضية تعكس حياة الشيخ سالم واهتماماته وحبّه لتاريخ فضلا عن احترامه للمخطوطات والعلم. نتيجةً لمشروع الحفاظ على هذه المخطوطات والاستطلاع عليها الذي قامت بها جمعية الشيخ سالم الثقافية خلال الخريف من العام الماضي (٢٠١٥)، يمكننا أن نقدّم بعض البيانات حول هذا الرصيد:
عدد المجلّدات المسفّرة ذي أغلفة: 14
عدد العناوين غير المسفرة الكاملة (أو تقريبا كاملة): 33
عدد الأوراق المفترقة ذي عناوين: 296
عدد الأوراق المفترقة بدون عنوان: 381
بعد تنظيم الأوراق المفترقة وفهرسة المكتبة بكاملها، ستكون صورة الرصيد ومضمون المكتبة أوضح. ولكنّ هذا العدد الكبير من المخطوطات يعكس جهود الشيخ سالم في الحفاظ على التراث الإباضي المخطوط. بالإضافة إلى عددها، هذه المخطوطات تحمل إمكانية كبيرة لتحقيق النصوص بما أنّ الشيخ سالم جمع الكثير من النسخ من نفس العناوين. مكتبة الشيخ سالم بن يعقوب مجرّد مثال واحد من هذا الدور الهامّ الذي تلعبه المكتبات الخاصة بالحفاظ على التراث والتاريخ المادي والمعنوي في جربة. المشروع الذي قامت به جمعية الشيخ سالم الثقافية هو الخطوة الأولى في تأكيد إمكانية الحفاظ على هذه المخطوطات لفائدة الطلاب والباحثين الإباضيين وغير الإباضيين في الأجيال القادمة فضلا عن الحفاظ على تاريخ جزيرة جربة الثقافي.
ولكنّ النقطة الأخيرة هذه تذكّرنا بالخطر الجدي والحقيقي الذي تواجهه المكتبات الخاصة في الجزيرة اليوم. إذا استمرّ الناس في اخفاء المخطوطات في بيوتهم بدون أي مساعدة في تنظيمها أو فهرستها أو الحفاظ عليها من الرطوبة والحشرات، فهم يجازفون بفقدانها إلى الأبد. لذلك، نريد أن نختم هذه المداخلة بطلب المساعدة منكم في الحفاظ على المخطوطات في جربة. إذا عرفتم أصحاب مخطوطات أو كتب قديمة في الجزيرة، فشجّعوهم على الاتصال بجمعية صيانة الجزيرة أو المكتبة الوطنية أو باحث في التاريخ مختصّ بالمخطوطات لكي يحصلون على مساعدة في الحفاظ عليها. لولا مساعدة المختصّين، كلنا سنفقد هذه الوثائق الثمينة وهذه الشهود الفريدة على تاريخ الجزيرة وأهلها
""